يُعد الكذب من أقبح الظواهر في نظر الإسلام لذا وجب على المُربين
جميعاً أن يُعبِروا اهتمامهم , وأن يُركِزوا عليها جهودهم ليُقلع
الأطفال عنها , وينفروا مِنها , ويتجنبوا مزالق الكذب, وقبائِح النِفاق .
قال الرسول
( إياكم والكذب , فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار , ومايزال الرجل وبيتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً )
ومع أن جميع الأطفال يكذبون أحياناً , إلا أن الآباء يميلون إلى اعتبار الصِدق
سِمة شخصية أكثر من جميع السِمات الأخرى ويشعرون
بالانزعاج عندما يكون الطِفل غير صادق .
ويأخذ الكذب عند الأطفال أشكالاً مُتعددة من ضِمنها :ـ
1ـ قلب الحقيقة البسيط :
يقول الطفل أنهُ قام بانجاز واجِباته البيتية والحقيقة أنه لم يفعل ذلك.
2ـ المُبالغة:
يُبالغ الطِفل في وصف قوة والد عندما يتحدث عنهُ أمام رِفاقه.
3ـ الاختلاق:
يروي الطِفل لأصدقائه تفاصيل رِحلة لم يقم بِها أبداً .
4ـ التسامر:
حيثُ يروي الطِفل قصة بعضها صحيح وبعضُها الآخر مُختلق.
5ـ الاتهام بالباطل:
يتهم الطِفل شقيقه بأنهُ سكب الحليب مثلاً في حين أنهُ هو الذي فعل ذلك في الواقع .
(( وبرتبط الكذب بموضوعي السرقة والغِش, والثلاثة يشتركون
في صِفة واحدة هي عدم الأمانة .والكذب هو هدم الأمانة في وصف الحقائق )).
الأسباب :ـ
من بين الأسباب العامة للكذب عند الأطفال ما يلي :ـ
1ـ الدِفاع عن النفس :
للتهرب من النتائج غير السّارة للسلوك, كعدم استحسان الأبوين أو عِقابهما
2ـ الإنكار:
طريقة لتجنب الذكريات المُؤلمة وكذلك المشاعر والخيالات.
3ـ التقليد:
تقليد سلوك الراشدين .
4ـ التفاخر:
التفاخر والتباهي كي يحصل هلى الإعجاب والاهتمام.
5ـ الولاء :
يكذب الطِفل كي يحمي أطفالاً آخرين .
6ـ العِداء:
التصرف بعدوانية تِجاه الآخرين.
7ـ المكسب الشخصي :
من أجل الحصول على مكاسب شخصية .
8ـ صورة الذات :
يكون قد قيل للطفل مراراً بأنهُ كاذب حتى أصبح مُقتنعاً بذلك .
9ـ عدم الثِقة :
اعتاد الأبوين أن لا يثقا بالطِفل ولا يُصدقانه عندما يُخبرهما بالحقيقة , وبالتالي يُفضل الطِفل أن يكذِب .
10ـ عوامل ودوافِع وقُوى أخرى تُؤدي إلى عِدة أنواع من الكذِب على النحو التالي:
أـ الكذب الخيالي :
بعض الأطفال يتمتعون بخيال واسِع يدفعهم إلى اختراع مواقِف وقصص هم أبطالها الذين يُشار إليهم بالبنان.
ب ـ الكذب الالتباسي :
قد يلجأ إلى الكذب من غير قصد فتلتبس عيه الحقائق وتعجزُ ذاكرته عن أن تقص حادثة مُعينة بتفاصِيلها ,
فيُحذف مِنها التفاصيل ويُضيف أخرى من عنده ,حتى تكون سائغة لعقله الصغير, مألوفة لدية وحتى يستطيع تذكرها فيتدخل بذلك الخيال مع الواقع , بحيث لا يُفرق بينهما , وهذا النوع من الكذب يزول عادة من تِلقاء نفسه
إذا كبر الطِفل و وصل عقله إلى مُستوى يُمكنه فيه أن يُدرك الفرق بين الحقيقة و الخيال.
ج ـ الكذب الادعائي :
يلجأ بعض الأطفال الذين يُعانون من الشعور بالنقص إلى تغطية هذا الشعور بالنقص بتعظيم الذات
وجعلها مركز الانتباه والإعجاب بالمُبالغة فيما يملكون , أو في صِفاتِهم أو صفات ذويهم بهدف
الشعور بالمركز وسط أقرانهم, أو بهدف النزوع للسيطرة عليهم.. فقد يدعي الطفل أن والده يشغل
منصباً خطيراً في الدولة , وذلك لمجرد التفاخر و تعظيم الذات , أو أنه يمتلك لعباً كثيرة
لا يُوجد مثلها عند أحد .
ومن أنواع الكذب الادعائي :
أن يدعي الطِفل المرض , أو يدعي
أنه مُضطهد مظلوم ,أو سيء الحظ إلى غير ذلك..
وهذا ليحصل على أكبر قسط ممكن من العطف والرعاية.
ونُشير هُنا إلى أن هذا النوع من الكذب يجب الإسراع إلى عِلاجه في الصِغر , وإلا نما مع
الطِفل وزاد حتى يُصبح من أخلاقه الدائِمة
الكذب الغرضي :
فقد يكذب الطِفل رغبة في تحقيق غرض شخصي كالحصول على نقود أو حلوى أو لِعب ..
ومن أمثلة هذا :
أن يذهب الطِفل لأبيه مُطالِباً إياه ببعض النقود لأنهُ ليس معه نقود فيحين أن
معه ما يكفيه ويزيد ,
أو قد يدعي ضياع لعبته لغرض أن يشتري له والده لعبة أخرى ,
ويذهب خُبراء عِلم النفس أن الدافع لهذا الكذب هو عدم توافر ثقة الطِفل بالكبار
المُحيطين به..
فالطِفل يفقد الثقة في أسرته, أو بيئته يشعر بالحاجة إلى امتلاك أكبر قدر ممكن
من الأشياء.
وهو يكذب في سبيل تحقيق ذلك .
هـ ـ الكذب الانتقامي :
وفي أحيان كثيرة يكذب الأطفال لإيقاع اللوم
على غيرهم باتهامه باتهامات يترتب عليها عِقابهم, أو يوء سمعتهم ,
أو ماشابه ذلك من أنواع الانتقام , ويحدث هذا كثيراً عند الطفل الذي يشعر
بالغيرة من طِفل آخر مثلاً,
وقد يحدث هذا النوع من الكذب بين الإخوة في الأسر , وذلك بسبب التفرقة في
المُعاملة
بين الإخوة , فالطِفل الذي يشعربأن لهٌ أخاً
مُدللاً عند والديه بينما هو أقل منهُ
قبولاً في المنزل .
فيلجأ إلى الكذِب فيتهمه باتهامات باطِلة
يتربت علها عقابه
أو سوء سمعته لدى
والدية حِقداُ وغيره.
علاجه
لِذا فأنهُ ينبغي على الآباء والمُدرسين أن يُقابِلوا مِثل هذهِ الاتهامات بالحذر
الشديد , وأن يُعالجوا
هذا النوع من الكِذب بإشاعة الحب
والألفة بين الأقران الصِغار
وتوجيههم إلى السلوك الحميد والخِصال الحميدة .
الكذب الدِفاعي :
وهو من أكثر أنواع الكذب شيوعاً , فيكذب الطِفل خوفاً من العِقاب وهذا مايلجأ
إله الأطفال في الأسر التي
تتسم بنوع من الصرامة في تربية أبنائها
و قسوتها
عليهم .. أو في الأسرة المُتفككة التي يختلف فيها الآباء والأمهات .
وقد يكذب الطِفل ليحتفظ لنفسه بامتياز خاص ؛ لأنهُ يشعر بأنهُ إن قال الصِدق
ضاع منهُ هذا الامتياز .
ومن أنواع الكذاب الدِفاعي :
كذب الإخلاص
ونعني به كذب الطِفل على السُلطة سواء الآباء أو المُدرسين ليحمي أخاه أو زميله
من عقوبة قد توقع عليه.
كذب التقليد :
كثيراً ما يكذب الطِفل تقليداً لوالديه أو لمن حوله , إذ يُلاحظ في حالات كثيرة أن الوالدين يكذب
الواحد منها على الآخر ..
مِثال :
عندما يطرق على باب المنزل طارق ولا يُريد أن يُقابِله فيقول لابنه الطِفل :
(( افتح الباب , وقل لمن يطرق أنني غير موجود)).
وفي إحدى الحالات كان من شكاوي أحد الآباء كذب الطِفل , واتضح أن أمهُ كانت
تُوهِمه بأنها تُريد
أن تصحبهُ للنزهة ثم يكتشف أنهُ يُؤخذ للطبيب . وفي بعض الأحيان قد تعد الأم
طفلها بأنه ستُحضِر لهُ لِعبة أو لحوى إذا نجح في المدرسة ثم لا تفي بوعدِها
برغم نجاحِه وتنتحل الأعذار الواهية التي لا يُصدِقها ..
مثل هذا السلوك من الآباء لا يغرس في الطِفل إلا أسلوب الكذب كمنهاج في حياته.
ح ـ الكذب العِنادي :
وأحياناً يكذب الطِفل لمُجرد ارتياح من تحدي والديه وتنفيذ رغبته رغم إرادتهما ..
مثال على ذلك:
الأم التي كانت تمنع طِفلها من شرب الماء لأنهُ كان يُعاني من حالة تبول اللاإرادي .. ولكن الطِفل رغبة في المُعاندة فكر في أن يُوهم أمه أنهُ لا بد أن يغسل وجهه قبل النوم وعند غسله وجهه كان يشرب كميات من الماء , وأمه واقفة إلى جانبه دون أن تتمكن من ملاحظة ذلك .
والطِفل في هذا النوع يشتق لذة كبيرة في عِناد من يقسو عليه ويمنعه من تحقيق رغباته ..
ولذا وجب إقناع الطِفل بهدوء قبل منعه من شيء أو توجيهه إلى فِعل سلوك مُعين .
ط ـ الكذب المرضي :
أحياناً قد يجد الطِفل نفسهُ مدفوعاً إلى الكذِب بعوامل لا شعورية خارجية عن إرادته . ويكون الطِفل عادة غير ناجح في حياته المدرسية ويُعاني شعوراً شديداً بالنقص , وشعور بعدم القبول سواء من الأسرة أو من أقرانه لا تصافه بالكذب وقد يصحبه هذا الكذب إلى اقتراف مساوئ أخرى من سرقة , أو غِش أو ماشابه ذلك .
ويُلاحظ أن التدليل الزائِد مثل القسوة الشديدة تدفعان الطِفل دوماً إلى الاستمرار في الكذِب حتى يصير مُزمناً لديه.
كما أن عدم توجيه الطِفل في صِغره نحو السلوك الحميد ومنه الصِدق يُساعِد على أن يشب الطِفل على
ما درج عليه. ولا سِيما وإن تعرض لمواقِف عصيبة تجعله مدفوعاً للكذب رغم إرادته .
كما أن تغيير المُعاملة من عطف وود وتلبية جميع الرغبات إلى نقيضها من سوء مُعاملة ,
كالطِفل الذي زعزع مركزه كولد وحيد مُدلل بين أخواته البنات , وكان لهُ مركز مرموق ونتيجة لسوء
سلوكه وكذبه المُستمر اتجهت عاطِفة الوالدين نحو البنات أكثر من الابن , فأصبح الابن يشعر بالاضطهاد مما زاد من كِذبه وصار مُزمناً ))
طُرق الوقاية :
لا ترغم طفلك على الكذب أو الاعتراف وابني قرارك على الدليل .
التزم بمعايير الصِدق التي تضعها.
استخدم التقدير والثناء بشكل متكرر لكي يشعر بالأمن الكافي للاعتراف بأخطائه.
تجنب استخدام العِقاب الشديد أو المُتكرر الذي يؤدي لى تنيمة الكذب كوسيلة للدفاع عن النفس .
كن قدوة لطفلك ولا تحاولي المُراوغة في المواقِف غير السارة لكِ أو لطفلكِ .
العِلاج :
1- اقبي عاقبي الطفل على كل من سلوك الكذب ةعلى التصرف السيء الذي استوجب هذا السلوك.
2- كرري على طفلكِ استعدادك لمُساعدته إذا قال الصِدق.
3- علمي طِفلكِ أن الصِدق أمر أخلاقي ,
وأن الصِدق يهدي إلى البر , والبر يهدي إلى الجنة , وأن الكِذب يهدي إلى الفخور ومن ثم يهدي إلى النهار , وأوضح لهُ أن الثقة تُبنى على الاتصال الصادق بين الافراد , وأن الإنسان الذي اعتاد الناس منه الكذب قد يكون في موقف خطير يتطلب الإغاثة لشكهم في صِدقه . وأظهري لهُ أن الصِدق أمر مُتوقع من جميع أفراد العائِلة طالما أنهُ جزء من معاييرها الأخلاقية .
ساعدي طفلك على التمييز بين الحقيقة والخيال :
يمكنك مُساعدة الطِفل على التمييز بين الحقيقة والخيال عن طريق سؤالك له :
(( هل هذا حقيقي أم إنه مُجرد قصة خيالية ؟))وعندما تعرفي أن القصة التي يذكرها غير حقيقة .
بإمكانكِ تقولي : (( والآن أخبرني بالقصة الحقيقة هذا قصة مُتخيلة . أخبرني بالقصة الحقيقة الآن ))
وكذلك عندما تقوم بِقراءة القصص للطِفل عليكِ أن تُشيري إلى القصص المُتخيلة وأيها التي تدور حول الأشياء التي حدثت فِعلاً .
دعي طفلكِ يتعرف بنفسه على الأجزاء غير الدقيقة في كلامه :
عندما يكذب الطِفل بإنكاره أنهُ قام بِفعل شيء ما , ساعديه على التعرف على أدواره في الموقف المُشكل , وذلك من خِلال جعلهِ يتحدث عن كل مرحلة من مراحل الموقف , قولي(( أريد أن أعرف كل ماحصل من البداية حتى النهاية)).
وساعدية في التركيز على تورطه بطرحكِ أسئلة مُحددة حول ما ذكره , كي تُظهِري لهم شككِ في أن بعض الأجزاء التي ذُكِرت غير دقيقة أو لا تُصدقي ..
وأخيراً
راعِ المبادئ التالية :
أ ـ عدم الانزعاج لما ينسجه خياله
من قصص أو وقائِع
غير صحيحة, يجب أن نُساعده على إدراك الفرق بين الواقِع والخيال وإن كان سِن الطِفل دون الرابِعة.
ب ـ التحدث معهُ عن الصِدق وغيره
من الأخلاق الطيبة بهدوء وإقناع
وبالالتزام بالصورة الحميدة أمام الطِفل إذا كان عمر الطِفل بعد سن الرابعة أو الخامِسة.
ج- تجنيب الطِفل الظروف التي تُشجعه على الكذِب وتضطره للدفاع عن نفسه ,
وبالتالي إذا اعترف الطِفل بكذبته ينبغي ألا نُعاقِبه لأن عدم عِقابه يُشجعه على قول الصِدق ويُشعره بالأمن
والطمأنينة .
ح- عدم إعطاء الطِفل الكاذِب فرصة الإفلات بكذبة دون أن نكشفه ,لأن النجاح في الإفلات بالكذب لهُ لذة خاصة تُشجع على تثبيته واقترافه مرة أخرى , بل تُشجع أيضاً على الاسترسال في سلسلة من الأكاذيب المقصودة .